المنشأ
ظهرت جماعة إخوان الصفاء وخلان الوفاء بمنتصف القرن الرابع الهجري في مدينة بغداد في عصر الدولة العباسية، حيث ازدهرت الفلسفة بين ربوع العالم الإسلامي.
تعريف
جماعة فلسفية سرية انتسب إليها عدد من المفكرين والأدباء والأطباء المسلمين. اعتادوا الاجتماع سراً والتباحث فيما بينهم في أمور الفلسفة والدين والعلوم المختلفة وتدوين ما اتفقوا عليه، حيث كان الانتساب للفلسفة حينها مرادفاً للكفر. اهتموا بجميع فروع العلوم، بداية من الفلسفة والعلوم الدينية مروراً بالعلوم الطبيعية والطب والفلك وصولاً الى الرياضيات والمنطق. تركت أفكارهم أثراً كبيراً في الفلسفة الإسلامية امتد لقرون.
أساس مذهبهم
وضعوا مذهبهم على أساس الاعتقاد بأن الشريعة الإسلامية تدنست بالجهالات والضلالات ولا سبيل لتطهيرها إلا بالفلسفة. حددوا الفلسفة الوسيلة الوحيدة لتطهير الشريعة الإسلامية لأنها العلم الوحيد الذي ينطوي على الحكمة الاعتقادية والمصلحة الاجتهادية. رأوا أن الكمال لا يتحقق إلا بالتوفيق بين الفلسفة اليونانية والشريعة المحمدية. استندوا في تحصيل علومهم الى رسائل الأنبياء، وكتب الفلاسفة الإغريق والهنود والفرس، وكتب العلوم الطبيعية التي تصف الموجودات.
فلسفاتهم وأفكارهم
رأوا أن نفس الإنسان تعد جزءاً من النفس الكلية للكون التي ستعود الى الله في الآخرة. اقتنعوا بأن الهدف المشترك بين جميع الأديان والفلسفات هو أن تتشبه النفس البشرية بالخالق بقدر استطاعتها. ذهبوا الى أن الموسيقى تلعب دوراً مهماً في تهذيب النفس وإصلاح الأخلاق، مع الإشارة الى أن الهدف لا يعد تعلم الموسيقى وفنونها، بل معرفة النسب التي يفهم من خلالها جوهر الوجود. وقفوا على مجموعة من الأسباب تتحكم في أخلاق الناس وطباعهم، وهي طبيعة أجسادهم والبلدان التي نشأوا بها وديانات أهلهم ومعلميهم. اعتقدوا بأن الأبراج الفلكية، أي توقيتات ميلاد الناس تؤثر في طبائع البشر وأخلاقهم. وضعوا النفس الملكية التي ترتبط بالحكماء فوق منزل النفس البشرية العادية، وفوق المنزلتين تأتي النفس القدسية الخاصة بالأنبياء. ذهبوا الى وجود علاقة تراتبية بين الموجودات الحية، حيث تأتي النفس الحيوانية والنفس النباتية في المنزلة الأدنى من النفس البشرية على التوالي. أشاروا الى العديد من آليات نظرية النشوء والارتقاء المعروفة بالتطور، كما بينوا أن القردة تعد أقرب الكائنات الحية الى الإنسان.
إرثهم
تعد رسائلهم من بين أكثر موسوعات العلوم اكتمالاً في العصور الوسطى، إذ إنها سبقت أشهرها في العالم اللاتيني بما لا يقل عن قرنين. تأثر بأفكارهم العديد من أعلام العلماء المسلمين أمثال الفارابي وابن سينا وابن عربي ونصير الدين الطوسي وغيرهم، وامتد تأثيرهم بين معظم أقطار العالم الإسلامي حتى بلغ الأندلس. ظهرت أول طبعة حديثة من مؤلفهم الجامع "رسائل الصفاء وخلان الوفاء" عام 1812 بمدينة كلكتا في الهند.
خصومهم
اتهم الخليفة العباسي المستنجد بالله أعمال إخوان الصفاء بالزندقة والكفر وأمر بحرق جميع النسخ الموجودة منها. هاجمهم تقي الدين ابن تيمية واعتبر أفكارهم فيها الكثير من الكفر والجهل، كما اعتبرهم من الشيعة الذي تتعارض عقائدهم مع الإسلام.
من أشهر منتسبيهم
كشف "أبو حيان التوحيدي" عن الأسماء الخمسة المعروفة من منتسبي جماعة إخوان الصفاء في كتابه "الإمتاع والمؤانسة"، أما البقية فظلوا مجهولين حتى الآن: أبو سليمان محمد بن معشر البستي "المقدسي"، أبو الحسن علي بن هارون الزنجاني، أبو أحمد المهرجاني، العوفي، زيد بن رفاعة.
مؤلفهم الجامع
"رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء"، موسوعة علمية متكاملة تتكون من 52 رسالة، تختص كل واحدة منها بفرع من فروع المعرفة، وتتنوع تنوعاً واسعا بين الرياضيات والمنطق والموسيقى وعلم الفلك والعلوم الفيزيائية والطبيعية والأخلاق والوحي والإلهيات والروحانية وغيرها.